الملتقى الجنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الجنة الملتقى


    ثقافة عسكرية (2/4)

    avatar
    juba


    عدد المساهمات : 8
    تاريخ التسجيل : 30/08/2011

    ثقافة عسكرية (2/4) Empty ثقافة عسكرية (2/4)

    مُساهمة  juba الثلاثاء أغسطس 30, 2011 7:49 pm

    ثقافة عسكرية (2/4) 9k=
    المبحث الثاني
    التكتيك
    تحدثنا من قبل عن المبادئ الإستراتيجية ، وتبين مما قلناه أن الإستراتيجية ترتبط بتحرك القوات وأوضاعها قبل المعركة ، وبالتأمل ، لا يخفى أن الغرض من تطبيق مبادئ الإستراتيجية هو إجبار العدو على القتال في الوضع الذي لا يلائمه عند الاتصال به بهدف الفوز بالنصر في مواجهته .
    لكن إحراز هذا النصر لن يتأتى بتطبيق المبادئ الإستراتيجية وحدها ، بل يجب أن يتوج التطبيق المبدع لهذه المبادئ الإستراتيجية بنجاح تكتيكي كذلك ، إذ لا تغني الإستراتيجية الناجحة عن إتباع التكتيكات السليمة داخل المعارك المختلفة التي تنظمها الحرب ، فالتكتيك الفاشل لن تجدي معه الإستراتيجية المنتهجة مهما كانت درجة تفوقها .
    ويقصد بالتكتيك في مجالنا هذا : القواعد التي تستخدم لتحقيق التأليف الصحيح بين النار والحركة بغرض إحراز قوة الصدم المطلوبة ، وكذا الاستفادة التامة من الخصائص الفنية للسلاح المستخدم .
    ولا يؤثر في بقائنا في نطاق تطبيق القواعد التكتيكية أن تكون الوحدة المستخدمة من النطاق التعبوي ، فمبادئ التكتيك التي ستمر بنا بعد حين تشمل ما دون الإستراتيجية ولو كان تعبويا .
    وللتكتيك عنصران رئيسيان هما : النار ، والحركة . وينتظم هذين العنصرين مبادئ عامة هي بعينها مبادئ الإستراتيجية وإن تبلورت لتلاءم المجال التكتيكي بالطبع . وفضلا عن هذه المبادئ العامة فهناك مبادئ خاصة لكل عنصر من عنصري التكتيك .
    وسنتناول في القسمين التاليين مبادئ كل عنصر من عنصري التكتيك ، أي مبادئ النيران ومبادئ الحركة .

    القسم الأول :
    مبادئ النيران
    ويعتبر استخدام النيران في المعارك التقليدية الحديثة هو الأساس ، ويستثنى من ذلك حالات قليلة قد ستخدم فيها السلاح الأبيض . ويتوقف النجاح التكتيكي كثيرا على التخطيط الدقيق للنيران .
    ويكون التخطيط النيراني دقيقا ومحكما إذا ما روعي فيه المبادئ العامة التالية :
    أولا : الحشد :
    ويقصد بالحشد في هذا المجال تجميع أكبر قدر ممكن لمصادر النيران في المراكز الرئيسية للمعركة التكتيكية .. ويتطلب تحقيق هذا الحشد مراعاة التأليف الصحيح بين السلاح المتيسر والمحلات المختارة له بعناية ، وهذا بالطبع مع مراعاة التنسيق الكامل مع المستوى الاستراتيجي والمستويات التكتيكية الأخرى .
    ثانيا :المفاجأة :
    فلا قيمة لهذا الحشد إذا أتى بطريقة يتوقعها العدو ، ويعد لها الوسائل المضادة المناسبة ، فلابد لكي نجني الثمرة المرجوة من أن نحرم العدو من الوقت الكافي والاستعداد المناسب لمواجهة التخطيط النيراني المعد ولن يتحقق هذا إلا بمفاجأته بالنيران .
    ثالثا : الدقة والمرونة :
    فلن يكلل الحشد ، ولن تتوج المفاجأة بالنجاح ، إلا إذا كانت النيران معهما دقيقة ومرنة ، خصوصا وأن التقدم العلمي الهائل قد أدى إلى ضمان سقوط النيران في البقعة المطلوبة بالضبط ، كما أنه أدى كذلك إلى تحقيق القدرة على المناورة بالنيران بالطريقة المطلوبة تماما .
    رابعا :الاستمرار :
    فقد تتوافر للقائد المحلي كل العوامل السابقة ، إلا أن ذخيرته تنفذ دون أن تكون هناك خطط موضوعة لضمان استعراضها واستمرارها ، وهنا يتكفل العدو غالبا بحل هذا الأشكال .

    القسم الثاني :
    مبادئ الحركة
    وتتحرك القوات في الميدان تحركات متعددة ، إلا أن هذه التحركات مهما تعددت لا تخرج عن إطارين هما : التحرك للهجوم ، والتحرك للدفاع .
    ولكل من الهجوم والدفاع مزايا معروفة تكتيكيا ، فالمهاجم يتمتع باختيار وقت ومكان المعركة ، بينما المدافع يتمتع في مواجهة ذلك بميزتين رئيسيتين هما : دراسة الأرض ، وتجهيزها هندسيا ، وقد يتمتع المدافع إلى جوار ذلك بميزات أخرى قد لا تتوافر في كل معركة ونعني بذلك دعم الشعب ، والميل الغريزي للجند نحو الوله بتراب الأرض ، وكذا الموانع الطبيعية الصعبة .
    هذا ، وليس من الميسور الجزم مسبقا بتفوق الشكلين السابقين في المجال التكتيكي ، فالفصل في ذلك ليس مطلقا ومجردا ، وإنما هو يتم بناء على عوامل فنية كثيرة ، يدرس القادة المهرة معطياتهم ، ثم يحددون على أثرها الشكل الذي يرونه محققا أقصى القوة لقواتهم على أرض الواقع .
    وعلى أية حال فسنتناول فيما يلي كلا من الدفاع والهجوم .
    أولا :الهجوم :
    وللهجوم أشكال ثابتة ، ومعروفة ، هي : الالتفاف ، والتطويق ، والاقتحام بالمواجهة .
    ويتوقف اختيار الشكل المناسب منها على عوامل فنية كثيرة ، أهمها : الظروف الطبوغرافية ، ونظم دفاعات العدو ، وأسلوبه في العمل ، فضلا عن الموعد المطلوب تحقيق الهجوم فيه ليلا أم نهارا .
    ويقصد بالالتفاف : التقدم على أجناب العدو ومؤخرته المباشرة ، مع معاونة ذلك بهجوم تثبيتي (ثانوي) آخر على المواجهة .
    ولا يختلف التطويق عن الالتفاف إلا في عمق المدى ، فالتطويق لا يتم على الأجناب والمؤخرة مباشرة ، وإنما يتم بعيدا عنهما ، كما قد لا يكون هناك تعاون مباشر دائما بين قوات الأجناب وقوات المواجهة في مجال التطويق .
    وقد يتم الالتفاف بجناح واحد على جنب واحد وهنا يسمى بالالتفاف المفرد ، وقد يتم بجناح واحد على كل جنب من الجنبين وهنا يسمى بالمزدوج ، كما قد يكون الالتفاف بجناحين على كل جنب من الجنبين وهنا يسمى بالمركب ، ونفس الشيء تماما بالنسبة للتطويق .
    وأما الاقتحام بالمواجهة فيقصد به أحد شكلين : إما الهجوم على مواجهة واسعة ، وإما الهجوم على مواجهة ضيقة واختراقها ثم الاتجاه إلى خلف أجناب العدو وإلى مؤخرته ، وفي هذه الحالة تكون تسميته الدقيقة هي الاختراق بالمواجهة .
    ويتم اختيار الشكل الأول (الاقتحام بالمواجهة) إذا أريد إجبار العدو على توزيع مجهوده ، وتضليله على اتجاه المجهود الرئيسي للضربة . بينما يتم اختيار الشكل الثاني (الاختراق بالمواجهة) في حالة ما إذا كانت أجناب العدو قوية ومحمية بدرجة مناسبة ، بينما تكون دفاعات الوسط ضعيفة إما لعدم حمايتها بدرجة كافية ، وإما لوقوعها بين فواصل الوحدات .
    وأيا ما كان الشكل المتخذ للهجوم ، فإن القادة المهرة لا يهملون فيه السرية ، وإحماء القوات للقتال بحسم وعزيمة ، وكذا المحافظة على القوة الدافعة للهجوم ، والمبدأ الأخير ليس بالأمر الهين لما يتطلبه من استعواض مستمر لكميات في الذخيرة والعتاد تتعاظم بتعاظم مواجهة المعركة وعقمها .
    وقد يلحق بالهجوم شكلان آخران يسمى أولهما بالمعركة التصادمية ، وهي تنشأ من فجاءة القوات المتضادة كل منها بالأخرى . والنجاح في هذا الشكل للخصم العنيد المصمم ، الذي يسرع بالفتح المناسب في تشكيل المعركة ، وبعد أن يكون قد أخذ حذره واحتياطه من قبل بدفع مفارز متقدمة أثناء السير مهمتها التنبيه إلى العدو وأوضاعه فور ظهوره ، ثم تعطيله حتى تسرع القوة الرئيسية بالفتح للمعركة .
    وثاني هذين الشكلين يسمى بالمطاردة وتعزيز الأراضي المكتسبة ، ويؤتى هذا النوع ثماره بالمحافظة المستمرة على الاتصال بفلول العدو المنسحبة ، لما يعنيه هذا الاتصال من استمرار الضغط على العدو ، وحرمانه من أية فرصة لتجميع قواته أو التقاط أنفاسه .
    وفي الختام ، يجدر التنويه إلى أن التنفيذ العملي لأي من أشكال الهجوم السابقة يصاحبه اختيارات كثيرة ، سواء في نقطة الفتح للهجوم ، والتي قد تكون من الاتصال القريب أو من العمق ، وهذا يتوقف بدوره على طبيعة دفاعات العدو (مجهزة أو غير مجهزة) ، ونوع دفاعه (ثابت – متحرك) وشكل دفاعه (خطي -صندوقي –دائري) ، كما يتوقف كذلك على مسرح المعركة ، هل هو صحراوي أم يقع في المدن ؟ وهل أي منهما به موانع أو بدون موانع ؟ وكذا تتوقف نقطة الفتح للهجوم على وقت المعركة ، هل هو ليلا أم نهارا ؟ .
    وهناك كذلك اختبارات أخرى تتعلق بنوع القوات المستخدمة لتحقيق شكل الهجوم ، والغالب الآن - استجابة لمعطيات معركة الأسلحة المشتركة - أن يتم التنسيق بين كافة أنواع القوات ، سواء البحرية ، أم البرية ، أم الجوية وبالأفرع المناسبة من كل منها بالطبع .
    وبالإضافة إلى هذه الاختبارات ، فهناك أيضا الاختبارات التي تتعلق بالأنساق التي تدفع للمعركة ، وأسلوب دفعها .
    وللهجوم الليلي اختيارات خاصة تتعلق بدرجة الصخب المسموح بها ، فهل يكون صاخبا ؟ وفي هذه الحالة يبدأ بالتمهيد النيراني المناسب بالأسلحة الثقيلة وبالإضاءة المناسبة ، أم يكون صامتا ؟ وهنا لا تستخدم نيران الأسلحة الثقيلة ولا تضاء أرض المعركة إلا بعد اكتشاف العدو للهجوم ، أم يكون جامعا بين النوعين السابقين بحيث يكون صامتا/ صاخبا ؟ وهنا لا يصدر القائد أوامره بصخب الهجوم إلا بعد مرور قواته ، المناطق الأكثر تعرضا لنيران العدو .
    وغني عن البيان أنه لا يتصور أن يبدأ الهجوم - صاخبا ثم ينقلب صامتا كما يظهر بأدنى تأمل .

    ثانيا :الدفاع :
    ولا يعني الدفاع قط التخلي عن المبادئ الصحيحة لاستخدام القوات ، بل ولا يعني حتى مجرد ترك المبادأة . فالدفاع لا يعني فقط سوى الانتظار ، وفرق بين الانتظار والسلبية الظاهرة ، والقادة المهرة يعرفون ذلك ، ولهذا تجدهم ما أن يتعين الدفاع شكلا للمعركة المرتقبة ، إلا ويعمدون إلى المبادرة بانتخاب المحلات المختارة ، وتوزيع القوات عليها توزيعا مناسبا ثم موالاة التبصر بأحوال العدو ، والترقب له حتى يقع في الفخ المنصوب له ، وهنا تجد المدافعين وقد عمدوا فورا إلى الهجوم المضاد المعد له من قبل ، ثم يستمرون في المحافظة على هذا الهجوم حتى يتحقق لهم الحسم .
    أما لماذا يتعين الدفاع كأمر حتمي أحيانا ؟ فدون ذلك أسباب متعددة منها : تعذر القيام بالهجوم ، أو عدم ضمان نتائجه ، أو كون دفاعات العدو قوية ومتفوقة بحيث لا يكون مناسبا مهاجمته إلا بعد تكبيده خسائر كبيرة في معركة دفاعية ناجحة ، كما قد يتحتم الدفاع أحيانا عند توفير القوات لحشدها في الاتجاهات الرئيسية أو عند الاحتفاظ بإحدى الهيئات الحاكمة .
    هذا ، وللدفاع شكلان رئيسيان ، دفاع ثابت ، ودفاع متحرك ، ويتميز الأخير بوجود احتياطات تكتيكية تتولى الدخول مع العدو المقتحم في معركة تصادمية ، أو تتولى القيام بالهجوم المضاد عليه في أماكن معدة له بعناية من قبل .
    وأما الشكل الذي تقبع فيه القوات في وضعها الدفاعي ، فقد يكون خطيا ، وفيه تكون القوات في الغالب على خطين أمامي وخلفي ، وقد يكون صندوقيا ، وفيه تتخذ القوات وضعها على شكل مستطيل ، كما قد يكون دائريا تقبع فيه القوات في شكل دائري يتيح لها الدفاع في جميع الاتجاهات .
    * * *
    ومع أي من هذه الأشكال قد يكون التجهيز الهندسي قويا ومجهزا ، أو على عجل وغير مجهز ، والغالب الآن نظرا لميوعة العمليات العسكرية وسرعة إيقاعها أن يبدأ المدافع معركته من دفاعات مجهزة ثم تتداخل القوات بعد ذلك ويضطر كل منها إلى اتخاذ مواقف دفاعية كثيرة وسريعة لا تسمح سرعتها غالبا بأي تجهيز .
    وجدير بالختام أن نشير فيه إلى أن هناك حالتين تلحقان بالدفاع ألا وهما القتال داخل الحصار ، والقتال بقصد التخلص من المعركة والانسحاب .
    ولكل من هاتين الحالتين خواص مميزة ، ويجمع بينهما أن النجاح فيهما مكتوب للقوات المدربة تدريبا عاليا ، والممهدة نفسيا للعمل في أحلك الظروف .

    المبحث الثالث
    التقدم العلمي
    وقد أضحى التقدم العلمي عنصرا من عناصر الحرب لا يمكن إغفاله ، أو التهوين من شأنه ، فحينما تتمكن الدولة من اختراع سلاح جديد ، فإن ذلك يعطيها ميزة واضحة على أعدائها . ولهذا ، فقديما عد اختراع القوس بعيد المدى والبارود في القرن الرابع عشر الميلادي أمرين لهما أهميتهما وأما الآن ، فها نحن نلحظ الجديد الذي تحظى به الأسلحة كل يوم ، من مدفعية وقطع بحرية ، إلى دبابات وطائرات ، وما يتبع كلا من هذه الأسلحة من قنابل وصواريخ ومقذوفات وألغام تتطور بدورها كل يوم .
    وبالإضافة إلى ذلك ، فهناك اللاسلكي ، والرادار ، والتليفزيون ، ووسائل الاستطلاع والمراقبة . والرؤية . سواء منها اليدوية أو الالكترونية ، وسواء منها ما كان في باطن الأرض ، أو على سطحها ، أو تشق طريقها في عنان السماء محمولة على متن الطائرات ، أو تقطع الليل والنهار في جوف الفضاء الخارجي محمولة ببطن الأقمار الصناعية .
    وهذه الاختراعات ولاشك قد صارت ملموسة آثارها على المعارك والحروب ، وصارت معروفة أهميتها في تجاوز الموانع المكانية والزمانية (المسافات – الوقت) وهذا يؤكد ما قلناه من أهمية التقدم العلمي كعنصر من عناصر الحرب .
    ونحب أن نؤكد أن التقدم العلمي لا يقاس في أي دولة إلا بمقدار قدرتها على تنمية واستثمار العقول العلمية فلا يكفي الاعتراف بالتقدم العلمي لدولة ما ، أن تكون قادرة على استيعاب ما أنتجته الدول الأخرى من وسائط علمية ، فالعبرة في مجال التقدم العلمي رهينة بتوافر المناخ الملائم لتنمية العقول تنمية علمية ، ثم استثمار هذه العقول - فيما بعد - بما يحقق أقصى استفادة منها .
    وليست هناك حدود للمجالات العلمية العسكرية ، فكل الظواهر المختلفة يمكن الاستفادة منها عسكريا ، سواء أكانت هذه الظواهر طبيعية ، أم كميائية ، أم بيولوجية ، وسواء أكانت المادة الوسيطة في الموضوع صلبة أم غازات ، أم سوائل .
    وفي حرب أكتوبر سنة 1973 أكدت الأقمار الصناعية وطائرات التجسس والاستطلاع ، والقنابل ، التلفزيونية ، والدبابات المجهزة للرؤية الليلية ، ووسائل الاستطلاع الإلكترونية ، أهمية التقدم العلمي كعنصر حاسم في الحروب . ولهذا تحرص الدول حديثا على الحصول على التفوق العلمي النسبي على عدوها قبل الدخول معه في حرب وذلك حتى تضمن لنفسها حسماً ملموسا في هذه الحرب .

    المبحث الرابع
    الخطة
    وبديهي أن العناصر الثلاثة السابقة للحرب لا قيمة لها ما لم تتوظف في النهاية في خطة عسكرية مناسبة زمانا ومكانا .
    وحين يضع القائد خطته ، فإنه يبدأ أولا بالإجابة على الأسئلة التالية :
    - ما هو الهدف المطلوب بالضبط ؟
    - أفي طاقة قواتي أن تحقق هذا الهدف ؟
    - ما هو الأسلوب المناسب لتحقيق هذا الهدف ؟
    - ما هي أبعاد معركة المفاوضات ومتطلباتها بعد أن تنتهي المعركة العسكرية وإلى أن تنتهي الحرب ؟
    والإجابة على هذه الأسئلة هي المفتاح الصحيح لأي خطة عسكرية ، وأما التفصيلات التقليدية من مثل : طريق التقدم والمناورة ، والهيئات الحاكمة المطلوب الاستيلاء عليها فليست إلا تقليدا ينشغل به القادة النمطيون لا المبدعون ، فالأخيرون يهتمون فقط بالتصور لهم للخطة ، وأما مثل هذه التفصيلات الفنية ، فإنهم يتركونها للأركان العامة التي أحسنوا اختيارها من قبل .
    وتخضع الإجابة على هذه الأسئلة السابقة لأسس دقيقة ، نشير فيما يلي إلى طرف منها :
    أولا :الهدف :
    وهدف الحرب تضعه الحكومات الآن ، ويشترك في وضعه كل أو جل أعضائها ، وسواء منهم من كان مدنيا أو عسكريا . ولا غرابة في ذلك ، وقد استقر منذ زمن أن الحرب ليست إلا سياسة كلماتها الطلقات ، ومفاوضاتها العمليات .
    وتعمد الحكومات قبل وضع الهدف المرجو من الحرب إلى تقييم الوضع السياسي بشكل دقيق ، مقدرة فيه جوانب القوة والضعف لديها ولدى عدوها ، قاصدة بذلك أن تتجاوز مثالب سياستها نسبيا في مواجهة هذا العدو ، وذلك حتى تضمن لنفسها وضعا سياسيا قويا ، فبضمانة هذا الوضع السياسي القوي ، ومع بديهية التأثير المتبادل بين الوسائل السياسية والوسائل العسكرية ، سوف تضمن الحكومات لنفسها وضعا حربيا قويا بالتالي .
    وكلما كان الهدف العسكري متلائما مع النوايا السياسية ، كان هدفا مثاليا ، يعبر اختياره عن فطنة تبشر بالنجاح على أرض العمليات .
    وكلما زاد اعتماد العدو على الوسائل العسكرية لخدمة معركته السياسية ضدنا ، زاد بالتالي حجم الجهد العسكري المطلوب تحقيقه ، والعكس صحيح تماما ، ولهذا ليس أمامنا إذا كانت سياسة العدو عسكرية في أسسها وتوسيعة عدوانية في أهدافها ، إلا أن ننزع منه وسيلته العسكرية باعتبارها مركز الثقل في وسائله السياسية .
    وأما كيف يتحقق حرمان العدو من سلاح القوة العسكرية ؟ فدون ذلك طرق متعددة :
    أولاها : تدمير قوات العدو بإنزال درجة مناسبة من الخسائر بها ، ثم تشتيت البقية الباقية منها إلى حيث تصبح عديمة الفاعلية والقيمة .
    وثانيهما : إقناع العدو بعدم فاعلية قواته في المحافظة على أهدافه السياسية ، فإذا كان العدو يعتقد - مثلا - أن حصونه العسكرية تحقق له الأمن والاستقرار ، فإن الاستيلاء على بعض من هذه الحصون يعد هدفا مثاليا في هذه الحالة ، ولمن شاء يتدبر مثلا تطبيقيا لذلك فأمامه معركة أكتوبر سنة 1973 .
    وغني عن الذكر أن بين الطريقتين الأولى والثانية مساحة هامشية مغطاة - ولاشك - ببدائل عدة ، يتوقف الالتقاء منها على الظروف الواقعية لكل حالة .
    وأما ثالثة هذه الطرق ، فتتحقق بالاكتفاء بإحراج قوات العدو ، واستغلال هذا الإحراج في تليين موقفه السياسي . وتلجأ الحكومات في سبيل تحقيق ذلك إلى وسائل عدة قد يكتفي فيها بالمظاهرات العسكرية ، أو المضايقات البحرية ، وقد يزاد على ذلك قليلا بالاستيلاء على شريط من الأرض لا أهمية له .
    والحق أن هذه الأعمال وإن كانت عسكرية ، وتدخل في زمرة أعمال الحرب ، إلا أن الأساس الوحيد لإقحامها في الدراسة الفلسفية لإستراتيجية الحسم هو التحمل والاستطراد ، إذ أنها في الأصل داخلة في وسائل إستراتيجية الردع لا الحسم ، تلك الإستراتيجية التي تستهدف إرهاب العدو لمنعه من التفكير في الحرب ، وهي تخرج عن نطاق دراستنا هنا ، لأننا نتحدث عن خطة الحرب بافتراض أننا مضطرون للقتال بالفعل .

    ثانيا :الطاقة :
    وقد يتبادر الذهن وقد تدنينا - ولو بالتعسف- في الأهداف العسكرية للحرب إلى حد المضايقات البحرية ، أننا سوف ننحي باللائمة على أي قائد يتعلل بطاقة قواته ، لكن ذلك غير صحيح تماما . فالقائد حين يدرس طاقة قواته ليس عليه أن يدرس طاقتها على استيعاب الهدف المزمع فقط ، وإنما عليه كذلك ، أن يدرس قدرتها على استيعاب رد الفعل المحتمل للعدو ، بل إنه سوف يلقى تقديرنا أكثر إذا درس إلى جوار القدر المحتمل من رد الفعل تلك النسبة الثابتة للقدر غير المتوقع من العدو . وقديما قيل إننا نضع ثلاثة احتمالات ليأتي منها العدو إلا أنه يأتينا دائما من الاحتمال الرابع .
    ويحدد لنا فيلسوف الحرب كارل فون كلاوز فيتز الضمانات التي إذا توافرت اطمأننا إلى طاقة قواتنا في ثلاثة ضمانات هي :
    1- أن تكون القوات العسكرية كافية لتحقيق نصر حاسم على قوات العدو .
    2- أن تستطيع هذه القوات تقديم الخسائر اللازمة من القوات إذا تم تتبع النصر حتى النقطة التي تصبح معها عملية استعادة التوازن غير محتملة .
    3- التأكد من أن الوضع السياسي - مع تحقيق الهدف العسكري . . سيكون متينا بشكل لا يجعل هذه النتيجة طريقا لإثارة أعداء جدد يجبروننا على التراجع

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 4:33 pm